نفهم حين تخطئ الحكومات في السياسة ان يتحمل الامن المسؤولية ويدفع الضريبة، لكن من الصعب ان نفهم كيف يمكن لجهات اخرى ان تغطي على عجز الحكومة في حل ازمة اضراب المعلمين، لا ادري –بالطبع- اذا كان هذا البديل الذي اطلقه وزير التربية والتعليم مجرد "وسيلة" للضغط على المعلمين ام انه خيار واقعي فعلا، لكن مهما كان فانه لن يحل المشكلة وانما سيعقدها اكثر فاكثر.
من المفارقات في قصة اضراب المعلمين ان الحكومة "تفاجأت" في اليوم الاول لبداية الفصل الدراسي الثاني "بالاضراب" مع ان المعلمين اعلنوا عنه قبل شهر من ذلك التاريخ، وبدؤوه فعلا حين امتنعوا عن تصحيح اوراق امتحانات الثانوية، ثم عادوا عن قرارهم ليعطوا الحكومة مهلة للتفكير، ومن المفارقات –ايضا- ان الحكومة تفاجأت مرة اخرى "بالمبادرة" التي طلبتها من النواب، فقد اعلن الرئيس امس انه لا يستطيع الرد بلا او نعم على عرض التفاهم الذي بين المعلمين والنواب، وان مجلس الوزراء سيدرس القضية في ضوء حسابات الموازنة.
حين تدقق في موقف الحكومة تكتشف ان وزارة التربية لم تأخذ قضية الاضراب على محمل الجد، ولم تتوقع ان ينجح المعلمون في اضرابهم، وحين فوجئت باتساعه تجاهلت الامر وحاولت التقليل من اهميته، ثم اجتهد البعض في الرد عليه "بحملة" واسعة من التشويه والتجييش ضد المعلمين، واستخدمت في ذلك اطراف لا علاقة لها بالموضوع، وبدل ان نبحث عن "تسويات" ومخارج بمنطق الحوار والنزول من اعلى الشجرة اعتمدنا وسائل تم تجريبها فيما مضى وبالتالي تحول "الاضراب" من مجرد مطالبات برفع العلاوة الى "تحدّ" عنوانه الكرامة والدفاع عن الذات.
لم تلتفت الحكومة –هنا- ان للمعلمين قضية عادلة، وان "الطلبة" سيكونون ضحية لأي "مكاسرة" بينها وبين هذا القطاع، وان الاستجابة لمبادرة النواب او الحوار حولها يمكن ان يكون مخرجا مرضيا لحل الازمة والاهم من ذلك انها لم تحسن ادارة الازمة، ولم تنتبه الى ان "المعلمين" يشكلون العنصر الاساس في حركة "الشارع" المطالب بالاصلاح وبالتالي فانها استندت في تعاملها مع الاضراب إلى معيار وحيد وهو: قدرة الموازنة على تحمل اعباء الزيادة بعيدا عن المعيار الاهم وهو قدرة "السياسة" على دفع تكاليف "الازمة" وتداعياتها الاجتماعية والتعليمية ايضا.
اعرف ان لدى اخواننا المعلمين "رغبة" حقيقية في فك الاضراب وانهم كانوا يبحثون عن "مخرج" يحفظ كرامتهم وبهذا التقطوا مبادرة النواب وكانوا يتمنون ان توافق عليها الحكومة او حتى ان تتفاوض معهم حولها، لكن ما حدث لم يسعفهم في طي هذه الصفحة، واخشى ما اخشاه هنا ان يكون لدى بعض الاطراف سواء داخل الجسم التعليمي او خارجه، مصلحة في "تصعيد" المشكلة وهذا ما يستدعي الحذر والانتباه سواء من جهة الحكومة التي تتحمل مسؤولية "الوصول" الى تسوية مرضية لحل الازمة، او من جهة "العقلاء" في لجان المعلمين الذين لا بد وانهم يدركون عناوين "العبث" التي يريد البعض ان يذهب اليها من خلال هذا الملف الخطير.
باختصار، لم يفت الوقت بعد نحو سبعة ايام على الاضراب، على الحكومة لكي تفتح "لواقطها" على مبادرة اخواننا النواب ولا على المعلمين لكي يتقدموا خطوة نحو "حل وسط" يجنبهم الاحساس بالذنب، ويجنب ابناءنا "ضياع" ايامهم الدراسية ويحرم "صيادي"الفرص من استثمار الازمة لاستعداء المجتمع على معلميه او لاقتناص "حصة" في النقابة القادمة او لخطف "ملف" التعليم الى المجهول.
منقول - للكاتب حسين الرواشدة- جريدة الدستور