اعتصم الآلاف من المعلمين أمام رئاسة الوزراء بالقرب من الدوار الرابع في العاصمة عمان ظهر أمس الثلاثاء، في أضخم تجمع لهم منذ بداية حراكهم المطالب بإقرار علاوة التعليم كاملة وبنسبة 100% قبل نحو عامين.
ونادى المعتصمون بإعادة الهيبة للمعلمين من خلال عدم انتقاص أجورهم، مؤكدين استمرارهم في الإضراب المفتوح لحين عودة الحكومة عن تخفيض علاوة التعليم الى ما دون 70%.
وارتفعت وتيرة المطالبات من قبل المعلمين الذين أجمعوا على المطالبة برحيل كل من رئيس الوزراء عون الخصاونة ووزير التربية والتعليم. معبرين عن غضبهم مما تقوم به وسائل الإعلام الرسمية والمحلية من التحشيد ضد مطالبهم، ونعتهم بالصفات غير اللائقة بمربي الأجيال.
وأدى المعلمون صلاة الغائب على روح الإعلام الرسمي، وذلك لتنكره لمطالب المعلمين، لافتين إلى أن ذلك المصير سيكون حليف كل وسيلة إعلام تعمل على تشويه الحقيقة. وشارك في الاعتصام مدرسون وإداريون يعملون في وزارة التربية والتعليم من كافة محافظات وألوية المملكة، وشهدت التظاهرة حضورا لافتا للمعلمات على غير العادة، وقدن مسيرة حول الدوار مطالبات بإنصاف المعلمين وتحسين أوضاعهم المعيشية.
وطالب القائمون على نقابة الأساتذة الجامعيين المعتصمين قبول الأكاديميين الجامعيين في نقابة المعلمين فيما لو ماطلت الحكومة بإنشاء نقابة خاصة بهم، الأمر الذي لاقى ترحيب رئيس اللجنة الوطنية لإعادة إحياء النقابة مصطفى الرواشدة الذي وصفه المشاركون بــ"نقيب المعلمين".
من جهته أكد الرواشدة استمرار المعلمين في إضرابهم المفتوح لحين استجابة الحكومة لمطالبهم، مشددا على أن المعلم استفاق من غفوته، ولن يسمح بانتهاك أي من حقوقه وكرامته وحريته بعد اليوم.
ولم يخلُ الاعتصام من أولياء أمور ومواطنين متضامنين مع مطالب المعلمين، إذ قطع السائق محمد الربابعة مسافات طويلة من إربد إلى عمان للوقوف إلى جانب المدرسين أمام رئاسة، قائلا لــ"السبيل": "إن ما تدعيه الحكومة من عدم توفر ميزانية لإعادة علاوة التعليم ما هو إلا افتراء باطل وكاذب، إذ تملأ خزينة الدولة الملايين من الدنانير التي تذهب لجيوب الفاسدين وكبار المسؤولين".
وتابع: "أحمد الله على الصحوة التي بات عليها معلمنا اليوم، ويحق له المطالبة بحقوقه"، مناشدا "الدولة إعادة العلاوة له".
وأشار ربابعة إلى "أن قيمة العلاوة تعتبر مبلغا زهيدا مقابل ما يقدمه المعلم، ومقارنة برواتب كبار الموظفين العاملين في الحكومة، لذا على صناع القرار زيادة رواتب المعلمين إلى 200% حتى يتحرر من قيد التفكير في التكاليف المعيشية التي تسترق جزءا كبيرا من تفكيره ووقته، في حين يجب أن يسخر كافة طاقاته العقلية للنهوض بالعملية التربوية في هذا الوطن".
وذكر المعتصمون أن شركتي الاتصال التابعة لشركتي أمنية وأورانج قطعت الاتصالات أثناء الاعتصام.
من جهتها تحققت "السبيل" من الأمر عقب متابعتها محاولات المعلمين الاتصال دون فائدة، فخدمة الإرسال توقفت بشكل لافت أثناء اعتصامهم، الأمر الذي أثار استياء المعلمين قائلين: "إن قطع الإرسال من قبل تلك الشركات جاء متعمدا".
وشهد الدوار الرابع تواجدا أمنيا كثيفا لمئات رجال الأمن والدرك، أحاطوا المعلمين المتعصمين دون التعرض لهم بالأذى، وحضرت كذلك القوات الخاصة بشكل لافت، ولم يسجل الحضور أي محاولات اعتداء على المشاركين في الاعتصام من قبل أي جهة.
ولاقى المعلم بهاء الدين الملكاوي حتفه في اثناء مغادرته لواء بني كنانة في شمال المملكة متوجها الى الاعتصام في العاصمة عمان، ووقف المعلمون دقيقة حداد وقرؤوا الفاتحة على روحه، وسألوا الله أن يدخله فسيح جناته لإصراره على المشاركة في الاعتصام والوقوف الى جانب زملائه في مطالبهم "العادلة".
وردد المعلمون القسم من خلف النائب السابق أحمد عناب قائلين: "أقسم بالله العظيم أن أبقى على درب المعلمين الأبرار، وأن أنصر المعلم رغم قساوة القرار، وأرفض الذل والانكسار، وأموت ليعيش المعلم في كرامة واقتدار".
وقال المتظاهرون: "يا حكومة ان لم تستطيعي ادارة الازمة الحالية فارحلي"، وخاطبوا رئيس الوزراء قائلين: "ياعون يا خصاونة من ملك البلاد بغير حرب، يهون عليه تسليم البلاد".
وأطلق المعلمون على الدوار الرابع اسم "دوار المعلم"، لاعتباره المكان الذي شهد صحوة المعلمين، وانطلاقا منه كان بداية حراكهم للمطالبة بنقابة خاصة بهم وما تبعه من مطالبات لاسعادة حقوقهم.
وهتف المعتصمون ايضا: "ما بدنا وزير بدنا نجرب وزيرة"، وحيا الحضور من أسموهن بــ"النشميات" لمشاركتهن اللافتة في الاعتصام متحديات كافة العقبات للتعبير عن إرادتهن التي أكدن أنها "لن تكسر".
وتعمد مدير تربية عمان الرابعة إعاقة المعلمين عن مشاركتهم في الاعتصام من خلال تحديد موعد أداء قسم نقابة المعلمين لمدارس ماركا وحي نزال والنصر خلال فترة الاعتصام، داعيا المعلمين الى عدم المشاركة في الاعتصام، ما دفع أحد المعلمين الى منع المدير من إكمال كلمته متناولا الميكرفون من يده، مؤكدا توجه المعلمين للدوار الرابع. وكان أن تركه المعلمون وغادروا متوجهين الى رئاسة الوزراء، بحسب ما قال مديرو مدارس لــ"السبيل".
وطالب المعلمون دائرة المخابرات العامة بالابتعاد عن المعلمين، والكف عن ملاحقة الناشطين منهم، وخاطبوا دائرة الافتاء "أين كنتم حينما أضرب الممرضون والمهندسون، أم الإضراب حلال لهم حرام علينا"، معلنين رفضهم للفتوى المسيسة.
وشوهد معلمون يحملون "المكانس" لمشاركة "عمال الوطن" في تنظيف الدوار الرابع من مخلفات الاعتصام "في صورة اعتبرها مراقبون حضارية وعز نظيرها، لما تعكسه من المستوى الراقي لأخلاقيات مربي الأجيال في الاردن.
كما ردد المتظاهرون: "وين المية بالمية.. سرقوها الحرمية، وين كلامك يا عيد.. ان المعلم سعيد"، وأضافوا: "الله لا يخلف عليك هيكلتك مردودة عليك.. وطاق طاق طاقية.. حكومة سرسرية.. حكومة حرامية".
واستنكر المعلمون وجود ميزانية لزيادة دخل النواب في موازاة دخل الوزراء، في حين تتذرع الحكومة بعدم وجود ميزانية لدعم المعلمين، لافتين الى أن في ذلك "نيل صريح من كرامة المعلم واستهتار بشؤونه".
وحمل المعتصمون لافتات كتب عليها: "يقوم المجتمع على ثلاثة أركان: جندي يحميه، وفلاح يغذيه، ومعلم يربيه"، "للوزير ألف بديل وللمعلم لا بديل"، "أما علاوة 100% أو استقالات جماعية"، "لا للمزايدات.. لا للتجييش.. لا للإعلام المأجور.. لا للفتاوى المسيسة"، "المعلم شخصو كريم.. ما بينهان ولا بيلين.. جوعتوه يا ظالمين".
كما تضمن عدد من اللافتات العبارات التالية: "يا دولة الرئيس.. ان مظلمة المعلمين باكملها لا تعادل ثمن لعبة قمار واحدة.. والحر تكفيه الاشارة"، "عنوان الدرس: الاضراب المفتوح، الاهداف المتوقع تحقيقها: 1-كرامة الوطن من كرامة المعلم .2- الحقوق المشروعة غير قابلة للمساومة. 3- من أراد أن يبني امة فليكرم معلما"، "تعلن وزارة التربية والتعليم بيع المعلم"، "عار.. عار.. مش قادر يوخذ قرار".
ويشار الى أن المعلمين بدأوا إضرابا مفتوحا عن التدريس الاسبوع الماضي لمطالبة الحكومة بإعادة علاوة التعليم الى 100% عقب اتخاذها قرار من خلال الهيكلة وتخفيضها الى دون الــ70%.